العرض في الرئيسةفضاء حر

القلق الوجودي لدى الشباب في دول الربيع العربي

يمنات

د. فؤاد الصلاحي

الوجودية تيار فلسفي يميل إلى الحرية التامة في التفكير بدون قيود ويؤكد على تفرد الإنسان، باعتباره صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه خارجي ايا كان.

انتشرت كحركة ادبية وفلسفية وحركة ثقافية في ثلاثينات القرن الماضي، ابرز ممثليها فلسفيا وادبيا جان بول سارتر.

في مرحلة المقاومة الفرنسية إبان الاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية كثر الموت وأصبح الفرد يعيش وحيدا ويشعر بالعبثية أي عدم وجود معنى للحياة فأصبح عند الفرد حالة تسمى القلق الوجودي وبمشهد الحرب نشأ شعور باليأس والقلق فأصبح هناك حاجة فكرية لمناشدة الإنسان بأن يلتفت إلى ابراز قيمة الوجود وأهميته.

و يبدأ فهم معنى الوجود بمعايشة الواقع وجدانيا أكثر منه عقليا ثم يبرز اكتشاف المعاني الأساسية في الوجود الإنساني العدم أو الفناء أو الموت اليأس القلق الوجودي.

و هنا تتكشف القيم الإنسانية الخالصة دون موجهات خارجية لاهوتية او ميتافيزيقية .. هنا ظهر ثلاث انماط من الناس، الأول يعيش للمتعة واللذة منفلت عن المسؤلية الرفدية والجمعية (تمتع بيومك) (حب ما لن تراه مرتين).

الثاني يعيش تحت لواء المسؤولية والواجب نحو المجتمـع والدولة والإنسـانية.

الثالث يعيش حالة متجردة عن اللذة والمتعة اقرب الى الزهد الصوفي.

و يمكن مشاهد المسارات الثلاثة في شخص واحد حيث يتقلب ويتغير في تفكيره وسلوكه ومواقفه. الثابت في هذا التيار الفلسفي ان الإنسان لابد وان يحل مشاكله بإرادته وحريته (الإنسان مجبور ان يكون حرا) ويطلب الوجوديون من الإنسان ان يكون نفسه .. بمعني ان يلتزم بطريقة يرضاها مع التأكيد على قيمة العمل.

هنا يكون المرض النفسي عند الوجوديين (موقف انفعالي) تجاه الوجود والعدم، وهو بالأحرى ليس مرضاً مستقلاً بل تحولاً وجودياً ويكون العلاج بالزمن اي ان ينسى الفرد الماضي ويتطلع إلى المستقبل كحل لمشاكله..

هذا المشهد بتجلياته ومضمونه اصبح حاضرا في دول الربيع وفق ما يعيشه الشباب وعامة المجتمع من الحروب والفوضى المتعددة وغياب الشعور بالاستقرار وانهيار الدولة وظهور واضح لاهتزاز القيم الاجتماعية والدينية وما رافق كل ذلك من حضور يومي لمشاهد الموت (القتل) بطريقة عبثية لم تعرفها هذه المجتمعات في تاريخها الحديث والمعاصر وانعكاسات كل ذلك على سيكولوجية الافراد صغارا وكبارا اباء وامهات زاد من هذه الصورة التراجيدية عبثية القتل (الموت) في عرض البحار حيث الهروب الكبير نحو الخارج بغية الامان كقيمة وجودية للفرد وعائلته..

في هذا السياق بكل مظاهره تبرز مظاهر وجودية في تعبيرات ثقافية وادبية وفنية ناهيك عن مساءلات فكرية لمعنى الوجود والعدم داخل مجتمعات شكلت الانظمة وجماعات مليشاوية مصدر عداء نحو الداخل الشعبي والمجتمعي.

و كان الخارج داعم لهذا العداء بل وناظم له من خلال جماعات وتنظيمات تم تصنيعها لتكون اداة في نشر ثقافة الكراهية والقتل.

ومن هنا جعلت ارادتها في التوحش وهو الصورة الكاملة للعبث الوجودي الذي عطل مفهوم الحياة ودلالاتها كما في قصة الخلق العظيم ليكون التوحش قتلا وتدميرا وانتهاكا لكل الحقوق المتعارف عليها انسانيا حتى في مراحل البداوة الاولى.

هل هناك املا في المستقبل، و املا بعودة الانسان الى ذاته وماهيته في كينونتها المتشكلة ضمن نزعة الأنسنة التي كانت ولاتزال مرجعا لتتميم النوع الانساني في طور مدني تعاقدي تتأسس معه مجتمعات ودول تعلي من الانسان وترتقي بتفكيره واختياراته وارادته الحرة ليتشكل واقعا وجوديا جديدا.

هنا يكون الدين في مدنيته كخطاب وممارسة دافعا لتشكل واقع مجتمعي جديد وانسان بماهيته الوجودية الجديدة..؟

من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى